تعرف على النساء المؤثرات في مجال التكنولوجيا في العراق – الجزء الثاني

قد يكون من السهل، في بلاد طالت واشتدت فيها معركة حقوق المرأة، أن ننسى أن العراق على أعتاب حقبة جديدة. ولكنها كذلك، وهذه أخبار سعيدة للنساء في التكنولوجيا.

تاريخيًا، لطالما كان النساء أقل تمثيلًا في مجال التكنولوجيا. وليست العراق –التي تحتل المرتبة 154 من أصل 156 دولة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين– استثناءً لهذه القاعدة بالطبع. ولكن في السنوات الأخيرة، كان هناك دفع باتجاه نشر التنوع ومشاركة المرأة في مكان العمل. ورغم مواجهتهنّ عوائق ثقافية ومنهجية، فإن المزيد من النساء يقتحمن مجال التكنولوجيا ويقدمن إسهامات بارزة فيه.

من سد الفجوة أو الهوة بين الجنسين في مجال يسوده الذكور وصولًا إلى غرس منظورات جديدة وقيادة الابتكار، النساء يتبوأن دفة القيادة في مجال التكنولوجيا لدفع الاقتصاد العراقي قدمًا. ومع بروز الدراسات التي أظهرت أن الفرق المختلطة بين الجنسين تؤدي بشكل أفضل من المتجانسة، فهذا أفضل وقت لدعم رائدات التكنولوجيا اللواتي يحدثن تأثيرًا ملموسًا في البلاد.

لا تختلف التحديات التي تواجهها النساء العاملات في مجال التكنولوجيا في العراق كثيرًا عن تلك التي تواجهها النساء حول العالم. وفقًا لمنظمة اليونسكو، فإن 26.4% من نساء العراق أمّيّات، ويعتقد بأن النسبة أعلى بكثير في المناطق الريفية، وصولًا إلى نحو 50%. هناك نقص في دعم رياديات الأعمال، وما يزال هناك الكثير من الجهد الذي ينبغي بذله لضمان وصول جميع العراقيات إلى فرص التعليم والتوظيف بشكل متساوٍ.

مع مضي العراق قدمًا في سيرها نحو التقدم والتنمية، من الواضح أن النساء العاملات في التكنولوجيا سيؤدين دورًا مصيريًا في تشكيل مستقبل البلاد. وبالاحتفاء بتلك الرائدات، يمكننا المساعدة في بناء مجتمع أكثر احتواءً وازدهارًا للجميع.

د. نادية العبودي

Dr Nadia

لنبدأ بمحافظة ميسان، المحافظة ذات المعدل الأدنى للمدارس الابتدائية للبنات في العراق، حيث تعيش د. نادية العبودي. نادية رائدة في مجال التكنولوجيا في ميسان، حيث ما تزال ذوات نسبة تمثيل منخفضة في المجال. بصفتها رئيسًا لقسم تقنيات أنظمة الحاسوب في الجامعة التقنية الجنوبية في ميسان، تعمل نادية على كسر الحواجز وتشجيع المزيد من النساء على متابعة مسيرتهن المهنية في مجال التكنولوجيا.

بدأت عملي التطوعي والمدني في 2007 وكان تركيزي وما يزال على بناء قدرات النساء ليصبحن مستقلات فكريًا وماديًا.

د. نادية العبودي

بالإضافة إلى عملها في المعهد التقني، فقد أسست د. نادية أيضًا نادي العراق للبرمجة (Code Club Iraq)، وهو نادي برمجة للشباب في ميسان. بلغ النادي من نجاحه أن توسع إلى مناطق أخرى في العراق وهو شريك رسمي في مؤسسة رازبيري باي (Rasberry Pi Foundation)

ولكن نادية تواجه العديد من التحديات في عملها، من بينها الدعم المالي وقلة الفرص المتاحة للنساء في ميسان.

«كل إنجاز حتى الآن يعتمد على جهدنا الخاص. بالإضافة إلى حقيقة أن الفكرة جديدة والتدريب الذي نقدمه حديث جدًا، فمن الصعب على الأهالي استيعابه وإدراك أهميته. لذلك، فنحن نحتاج إلى جهود إضافية لشرح هذه التفاصيل». وفق كلامها.

ولكنها عازمة على تخطي هذه التخديات وخلق فرص أكثر للنساء في مجال التكنولوجيا في العراق.

أتمنى رؤية نساء قادرات على تكوين شركاتهن التكنولوجية الخاصةانطلاقًا من فريقنا. أتمنى أن أرى يومًا تغييرًا في النظرة إلى نساء الجنوب وأن أراهن عالمات، وأستاذات جامعيات، ومهندسات ورياديات، وعاملات تقنيات، لا مجرد ربات بيوت لا يقدمن شيئًا في مجال العلوم.

نادية العبودي

إن عمل د. نادية مفصلي، إذ تغدو التكنولوجيا أكثر أهميةً باطراد في التنمية الاقتصادية والابتكار. وهي تستمر في قيادة الطريق للسيدات في مجال التكنولوجيا وإلهام جيل جديد من العراقيات ليتبعن خطاها.

وتضيف د. نادية قائلةً «النساء العراقيات قادرات على المساهمة في تنمية البلد في مختلف المجالات، وخصوصًا في مجال التكنولوجيا. وعملنا مهم لتشجيع الشابات على صقل مهاراتهن في التكنولوجيا وتقديم الدعم اللازم لهن لتحقيق أهدافهن».

شهد نعمان

Shahad Nouman

شهد نعمان رائدة بحق، فهي امرأة تخطت العديد من العقبات لتصبح شخصيةً قياديةً في مجال التكنولوجيا في العراق. بدأت رحلة نجاح شهد بعد تخرجها عام 2015 في كلية هندسة الإلكترونيات والاتصالات في جامعة بغداد. ورغم كونها خريجةً عالية الكفاءة والمؤهلات، فقد عانت لإيجاد عمل في مجالها. ولأنها لم ترضَ أن تذهب مهاراتها سدىً، فقد بدأت بالعمل محاضرةً في جامعتها في أثناء حصولها على تدريبات وشهادات إضافية في هندسة الشبكات.

ورغم شغفها وإصرارها، ذكرت شهد أنها واجهت تمييزًا من بعض أقرانها الذكور في مجال التكنولوجيا. «هناك أحيان استخف فيها المديرون بقدراتي أمام زملائي الذكور. ولكنني رفضت أن أدع تعليقاتهم تثبطني، وعملت جاهدةً لإثبات نفسي»، وفق قولها.

إن روح شهد الريادية قادتها لإنشاء عملها الخاص، أوتوكير (AutoCare)، وهو تطبيق موبايل لخدمات غسيل وصيانة السيارات.

بصفتي امرأةً تقود سيارتها، كنت أجد صعوبةً في إيجاد مكان ملائم ووقت مناسب لغسيل سيارتي. وأدركت أن العديد من النساء في بغداد تواجهن المشكلة نفسها، لذا قررت إيجاد حل.

شهد نعمان، مؤسسة أوتوكير

بمساعدة برنامج تدريب وتوجيه يدعى “رائدات”، استطاعت د. نادية إطلاق “أوتوكير”، الذي كان يعمل كجزء من “المحطة – The Station” وسيبدأ قريبًا في تقديم خدمات التوصيل

تظهر شهد الحاجة لمزيد من الدعم والفرص للنساء في التكنولوجيا. وتقول «هناك العديد من المبدعات في العراق اللواتي يمتلكن المؤهلات للتفوق في التكنولوجيا، ولكنهن يحتجن المزيد من التوجيه والإرشاد لتحقيق أحلامهن»، وتأمل بإلهام وتشجيع المزيد من النساء في التكنولوجيا وريادة الأعمال عن طريق عملها ومبادراتها.

زينب عزام

Zainab Azzam

نينوى، الموصل، في شمال العراق مدينة أنهكتها الحروب والنزاعات في السنوات الأخيرة. ورغم التحديات، فإن عددًا متزايدًا من النساء يتحدّين البدهيات والفرضيات المجتمعية ويتحرّين مسيرةً مهنيةً في التكنولوجيا. وهنا كسرت زينب عزام الحواجز وتحدت الفرضيات المجتمعية في ثقافة المجال التي يسودها الذكور، لبناء مجتمع مزدهر من العاملات في التكنولوجيا في المدينة.

«عندما كنت فتاةً، كنت مهووسةً بالحواسيب. كنت أقضي ساعات طويلة أمام الشاشات، ألعب ألعاب الفيديو وأحاول اكتشاف الاستخدامات الأخرى للحواسيب»، كما قالت زينب. ورغم مواجهتها العديد من التحديات والانحيازات كامرأة في المجال، فقد حافظت على شغفها بالبرمجة وسعت فيه.

أطلقت زينب مجموعة مطوري “جوجل” في الموصل لردم الفجوة بين العاملات الطموحات في التكنولوجيا والمعارف والموارد اللازمة للنجاح. وقد فسّرت قائلةً: «كانت فكرتي في البداية أن أخلق مجتمعًا من المهتمين بالتكنولوجيا الذين يريدون تعلم المزيد وتطوير أنفسهم». توفر المجموعة نطاقًا من المساقات التدريبية والجلسات التعليمية عبر الإنترنت تتناول موضوعات كعلم البيانات، وتعلم الآلة، والشبكات، بالإضافة إلى فرص التشبيك مع مجتمعات أخرى لمجموعات مطوري “جوجل” من حول العالم.

ولكن زينب تدرك أيضًا أن هناك تحديات فريدة تواجهها النساء في المجال، وخصوصًا فيما يتعلق بالدعم والتدريب.

معظم التدريبات الموجهة للنساء التي كانت تقدمها الجامعات والمنظمات غير الحكومية بسيطة وأساسية، وهذا خطأ. يجب أن نصغي إليهنّ أكثر وأن نفصّل التدريب على احتياجاتهن.

زينب عزام

من خلال عملها، تسعى زينب لتوفير مساقات تدريبية متقدمة وأكثر ملاءمة لاحتياجات النساء في الموصل.

إن هدف زينب النهائي أن ترى المزيد من النساء يتخذن دور القيادة في بيئة التكنولوجيا وريادة الأعمال في العراق. «أؤمن أن النساء لديهن الكثير من القدرات للمساهمة في المجال، ونحتاج لخلق المزيد من الفرص لهن»، كما أكدت زينب. إن إخلاصها لتمكين النساء في المجال يمكن أن يلهم الكثيرات وهو تذكرة بأهمية التنوع وإشراك الجميع في صناعة التكنولوجيا.

خديجة عبد النبي

Khadijah Abdul nabi

خديجة عبد النبي، وهي عراقيةُ ناجحة تعمل في التكنولوجيا في أربيل، مصدر إلهام للعديد من النساء الطامحات في المجال. وهي تشارك رحلتها بشكل صريح ومستمر نحو النجاح، بالإضافة إلى مشاركة التحديات التي تواجهها كمرأة عاملة في المجال، وأهدافها للمستقبل.

« درست الفنون الجميلة في مدينة نيويورك ثم اتجهت للدراسات الشرق أوسطية في كلية برنارد، جامعة كولومبيا، ولكن عقب بلوغي 30 عامًا، أدركت شغفي بالتصميم الغرافيكي وافتتحت الستوديو الخاص بي، واسمه “يا خديجة”، ويختص بتصميم العلامات التجارية و”البراندات”»

خديجة قادها شغفها بالتواصل الذي يتخطى قيود اللغة إلى التصميم، حيث تولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم والتصميم مع التفكير بمستخدم محدد. وكامرأة في المجال، تعترف خديجة بمواجهتها التحديات المعتادة، ولكنها تؤمن بأن كونها امرأة في المجال ميزة، قائلةً: «تفكر النساء وتتعاونّ بشكل مختلف، وهو ما يساعدنا على التفوق في المجال».

يا خديجة، ستوديو خديجة الإبداعي، يحمل اسم خديجة (رض)، التاجرة الناجحة التي كانت زوجةً للنبي (ص). ويختص الستوديو في العلامات التجارية و”البراندات” ويهدف لتفسير الثقافة ورعايتها للتأثير على منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا من خلال الهوية الثقافية.

نحن نؤمن أن في ثقافتنا الجمعية هناك الكثير مما هو أصلًا في إرثنا لنستخدمه في بناء هوياتنا الآن

خديجة عبد النبي

وعند سؤالها عن أهدافها للمستقبل، ردت خديجة: «أهدافي للمستقبل بسيطة: أن يؤثر “يا خديجة” كستوديو على الثقافة في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا من خلال الهوية بشكل خاص».

تؤمن خديجة بأن هناك بالفعل العديد من النساء الناجحات في التكنولوجيا في العراق وكردستان، ولكنهن بحاجة ليصبحن مرئيات أكثر وبحاجة لأصوات أقوى ليلهمن المزيد من النساء لبدء مسيراتهن المهنية في التكنولوجيا. وتؤكد: «نحتاج أن يصبحن مرئيات أكثر، وذوات أصوات أعلى، وناشطات أكثر. بعض التشبيك والتعاون الإضافي بحيث تصبح “النساء في التكنولوجيا” عبارةً عاديةً لا عبارةً تدل على الندرة.

أصوات من الخارج

ديانا السندي إحدى أنجح النساء العراقيات في التكنولوجيا، وهي شغوفة بتحطيم الحواجز الجنسية في مجالها. وقد كانت أول امرأة عراقية تعمل في علم الصواريخ في وكالة “ناسا” الأمريكية.

FB IMG 1678305297670

عند سؤالها عن اللحظة التي قررت فيها الدخول إلى مجال التكنولوجيا، شاركتنا ديانا: «دائمًا ما كنت مهتمةً بمجالات العلوم، وقد قرأت لأول مرة قصةً عن امرأة تعمل على مشروع صالح للسكن في المريخ مع ناسا بعد انتقالي إلى الولايات المتحدة. اعتقدت أن من الرائع والمحمس أن فتاةً تعمل على مشروع علمي مع وكالة كبرى للفضاء».

ولكن ديانا تدرك أيضًا التحديات التي تواجهها النساء في العراق والمنطقة العربية عندما يحاولن الدخول إلى صناعة التكنولوجيا.

تواجه العديد من النساء التمييز الجنسي والقوالب القديمة التي لا ينبغي أن تستمر بالوجود. إن الدخول إلى هذا المجال في الجامعات يشكل تحديًا بسبب التقاليد العائلية، وبيئة العمل يسودها الرجال ما يشعر النساء بعدم الانتماء وأن هذا ليس مكانهن.

ديانا السندي

ورغم هذه التحديات، فإن ديانا عازمة على مساعدة المزيد من النساء في الدخول إلى صناعة التكنولوجيا. وهي تؤمن بأن منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا لا يمكن أن تصير موطنًا للتكنولوجيا دون مساهمة الجميع، بمن فيهم النساء.

تشجع ديانا العراقيات الطموحات للسعي وراء شغفهن قائلةً: «نحتاج النساء الشغوفات العازمات على أن يكن رائدات في مجالهن. أنجح الناس أولئك الحقيقيون، والشغوفون، والمجدون في عملهم».

بصفتها امرأة عراقيةً ناجحةً في مجال التكنولوجيا، تعد ديانا قدوةً للأخريات اللواتي يأملن بالسير على خطاها. وهي تشجع المزيد من النساء على الانضمام لصناعة التكنولوجيا، قائلةً: «علينا أن نتخطى الأعراف المجتمعية ونمهد الطريق لمزيد من النساء حتى يدخلن المجال. إن مستقبل التكنولوجيا بيدي قدرتنا على التعاون وإعادة رسم الحدود معًا».

Habib Zreik

Related Posts

© 2021 Iraqi Innovators. All rights reserved