نهى الموسوي: كسر حواجز قطاع التكنولوجيا في العراق

بدأت رحلة نهى الموسوي الملهمة -المولودة في النجف عام 1996- من طفلة فضولية تستكشف ما حولها إلى رائدة أعمال ناجحة في مجال التكنولوجيا الذي يهيمن عليه الرجال. ورغم كونها ولدت لعائلة من الأطباء، فإن شغف نهى بالتكنولوجيا ظهر في مراحل مبكرة من حياتها.

كطالبة يافعة، ازدهر اهتمام نهى بالتكنولوجيا. وفي عام 2008، رافقت أستاذةً لها تصمم الكتب الدراسية كظلها، فأخذت عنها مهارات قيمة في التصميم كالعمل على فوتوشوب. وقد رتب لها والدها، بعد أن لاحظ اهتماماتها، لتتعلم من موظف يعمل على الكمبيوترات، ما أدى إلى إتقانها استخدام مايكروسوفت أوفيس في الثانوية العامة.

عندما كنت أتعلم مايكروسوفت أوفيس، راودني الفضول لمعرفة كيغية عمل الأزرار بالطريقة التي تعمل بها. كنت أشعر بالفضول تجاه الآلية وراء ذلك. وكان هذا أكبر محفز لدي لتعلم البرمجة والتكنولوجيا، لعمل أزرار تقوم بأشياء!

نهى الموسوي

لم يكن الإنترنت متاحًا لنهى خلال أول سنتين لها في الكلية، لذا اعتمدت على أقراص السي دي التي احتوت على موسوعات وفيديوهات لتحسين تجربتها التعليمية. تناول بعض هذه الفيديوهات حياة عمالقة التكنولوجيا من أمثال ستيف جوبز وبيل غيتس ومسيرتهم المهنية، وقد ألهمت قصصهم في الاعتماد على التعلم الذاتي نهى. وعندما أتيح لها الإنترنت أخيرًا عما 2015، أصبحت رحلتها في التعلم الذاتي أسهل بكثير، إذ صار في متناول يديها مصادر متنوعة ومجموعات تواصل اجتماعي للمبرمجين.

ورغم جهودها، فقد تخرجت نهى بدون المهارات البرمجية العملية التي يتطلبها سوق العمل العراقي. تقول نهى: «لم يعلمونا سوى الأساسيات في الكلية»، وتتابع: «لم أكن قد سمعت حتى بمصطلحات تطوير باك إند Backend وفرونت إند frontend في الكلية».

في عام 2019، تخرجت نهى في الكلية وبدأت العمل مع «الكفيل»، وهي شركة خاصة رائدة في النجف، وكانت المرأة الوحيدة في فريق من خمس مبرمجين ذكور. ومع أنهم تخرجوا في نفس الكلية جميعًا بنفس درجة التعليم، فقد لاحظت أن زملاءها الذكور كانت لديهم خبرة أكبر لأنهم حصلوا على فرص أفضل للتعلم والتدريب المهني. ولتزيد التحديات التي تواجهها، فقد كان دورها إداريًا صرفًا لم تستطع معه الاستفادة من مهاراتها البرمجية التي عملت جاهدةً لصقلها. وبدلًا من الشعور بالإحباط، فقد كانت تطرح الكثير من الأسئلة على زملائها واستقت من المعارف منهم ما استطاعت..

خلال هذا الوقت، حاولت نهى أطلاق شركتها الخاصة، GreenCode، مع فريق من أربع خريجات. ولكن، فشل المشروع بسبب افتقارهن للتجربة، والتوجيه، وخريطة واضحة للطريق، ما ترك نهى لتتأمل في الدروس التي تعلمتها.

وخلال هذه الفترة، كانت تتطوع في مجموعة مطوري جوجل (GDG) في النجف، التي علمتها العديد من المهارات اللازمة في مجال بناء شبكات العلاقات، والعمل الجماعي ضمن فريق، والتواصل المهني، وقد حفزها هذا لبدء مشاركة تجاربها على إنستاجرام، وهو قرار أدى فيما بعد للدفع بمسيرتها المهنية إلى الأمام بشكل متسارع.

وبعد سنتين من كون مهامها مقتصرة على الجانب الإداري في «الكفيل»، راكمت نهى أخيرًا الشجاعة اللازمة للانخراط في البرمجة. وقد كلفت بمشروع كاختبار من قبل المشرف عليها لإثبات مواهبها، ولكن ما أن كانت على وشك إتمامه، أصيب ابنها بمرض فرض عليها التغيب لثلاثة أشهر لرعايته. وعندما عادت للعمل، حطمها معرفة أن مشروعها أعطي لموظف جديد، أكمله وسلمه باسمه الخاص. وقد شعرت بتعرضها للخيانة والإحباط نتيجة هذه التجربة.

نقطة التحول والنجاح في العمل المستقل

في عام 2021، ظهرت فرصة غير متوقعة عندما طلب منها عميل، بعد أن فهم خطأً أن عملها التطوعي في مجموعة مطوري جوجل هو عمل لدى شركة جوجل، أن تصمم له موقعًا. أصبح هذا المشروع نقطة تحول في مسيرة نهى المهنية. وقد طلبت فترة تنفيذ طويلة، وسجلت في عدة مساقات ترديب مدفوعة، وانهمكت في دورة من التعليم، والبحث، والتطبيق. في النهاية سلمت المشروع الذي نال رضى العميل الشديد.

كانت من أكثر لحظات حياتي التي شعرت فيها بالفخر. حققت أخيرًا حلم طفولتي بتصميم أزرار تعمل.

نهى الموسوي

واجهت نهى الآن مفترق طرق: فهل يجب أن تبقى في عملها الإداري الآمن، خصوصًا في بلاد تزداد فيها نسب البطالة بشكل مطرد؟ أم تخاطر بالاستقالة لاتباع شغفها كمبرمجة.

لاقى قرار نهى بالعمل مبرمجةً بدوام كامل تمييزًا فاضحًا: «أخبرتني إحدى الشركات بكل صراحة: “نحن لا نوظف الفتيات”، بينما قالت شركة أخرى، كانت بحاجة ماسة لمبرمجين، “لم نوظف فتاةً بينما لدينا مرشحون ذكور؟”»

Nuha

أدت هذه التجربة بنهى لإدراك أنها تحتاج لصناعة فرصها بنفسها وتسويق علامتها التجارية الخاصة بدلًا من الاعتماد على الوظائف التقليدية. وبحثًا عن حل سريع وفعال، تواصلت نهى مع وكالة تسويقية لتصوير فيديو يروج لشركتها، GreenCode. ولكن، وبعد النشر، لم يؤدِّ الفيديو إلى الحصول على زبائن. حللت نهى المشكلة بسرعة وبدأت بالبحث عن كيفية تسويق المبرمجين لأنفسهم في سوق العمل الحر على وسائل التواصل الاجتماعي.

«توصلت إلى العديد من الاستنتاجات: أولًا، عليك شرح خدمتك للناس قبل البدء بالبيع لهم. وإضافةً إلى ذلك، فإن الناس يتواصلون بشكل أفضل مع إنسان، لا علامة تجارية أو مؤسسة تجارية، لذا فعندما تخبرهم قصتك، فإنهم يشاركون بشكل أكبر من مشاركتهم لمجرد إعلان منشور». وقد أدت هذه الاستنتاجات بنهى إلى الانتقال من التسويق للعلامة التجارية إلى التسويق للذات، فروجت لنفسها بدلًا من الترويج لـGreenCode. وقد ساعدت هذه الطريقة إياها على بناء علاقة أكثر صدقًا مع جمهورها المستهدف. ولكن مغامرتها بالتسويق للذات لم تأت دون صعاب: إذ لاقت تحفظات من عائلتها على مشاركة جوانب شخصية من حياتها على الملأ.

وبعزم، حولت نهى جزءًا من منزلها إلى ورشة عمل. «لقد أنفقت جزءًا من ميزانيتي على تحويل إحدى زوايا بيتي لحقل للتكنولوجيا». وقد أثمرت مثابرتها نتائج إيجابية: فبعد نشر المحتوى بشكل مستمر، بدأت الطلبات بالانهمار، وشعرت نهى أنها على المسار الصحيح.

أعادت نهى بنجاح إطلاق GreenCode التي اكتسبت سمعةً حسنةً بين زبائن النجف. وقد كان تدفق الطلبات هذا محمسًا لنهى ومجهدًا في نفس الوقت، لذا فقد قررت تظيف مبرمجين آخرين للمتابعة. واليوم، يتكون فريق GreenCode من أربعة مبرمجين. وتتخصص الشركة اليوم في أنظمة التكنولوجيا المفصلة حسب الطلب، مالئةً بذلك فجوةً في السوق العراقية.

تقول نهى: «قدرنا أن السوق العراقية تحتاج لأنظمة تكنولوجية مصنعة حسب الطلب». وتتابع: «من أكثر مشاريعنا التي نفخر بها إنشاء نظام متكامل للشركات». وترتئي نهى أن GreenCode ستوسع خدماتها لمدن أخرى، بهدف أن تصبح المزود الرئيسي لحلول التكنولوجيا المصنعة حسب الطلب في العراق.

ألهم نجاح نهى العديد من النساء اللواتي تواجهن تحديات مشابهة. وهي تشجع النساء بشكل دائم على السعي لتحقيق مسيرة مهنية في التكنولوجيا، مؤكدةً على الطلب المتزايد للمهارات التكنولوجية في عالم يزداد اتجاهًا للتكنولوجيا باطراد.

وبالنظر للمستقبل، تخطط نهى لتوسيع خدمات GrenCode، لتشمل إطلاق منصة نظام كخدمة System as a Service (Saas). وتشرح: «ستسمح هذه المنصة للعملاء بإنشاء متاجرهم الخاصة أونلاين مع تفعيل خدمات الدفع الإلكتروني».

إن رحلة نهى الموسوي مثال حي على كيفية تمكن العزم، والإيمان بالذات، والتكيف على التغلب على المصاعب الاجتماعية وتفضي إلى نجاح في مجال التكنولوجيا. وتستمر قصتها بإلهام الجيل القادم من النساء في التكنولوجيا، لتثبت بأنه مع الشغف والإصرار، من الممكن تحويل التحديات إلى فرص للنمو والابتكار.

Habib Zreik

Related Posts

© 2021 Iraqi Innovators. All rights reserved